vendredi 11 janvier 2008

اللعب لدى الطفل

الطفل طاقة تزخر بالحياة والنشاط ، وما تنفكّ هذه الطاقة أن تتفجّرفي شكل لعب وحركات بريئة .فاللعب طبيعة فطرية في الطفل جعلها الله غريزة في نفسهتساعده في تنمية وبناء الجسد والعقل بشكل طبيعي ، فقد يكون اللعب عند الكبار وسيلةلملْء الفراغ أو التسلية ولكنه بالنسبة للطفل عملٌ مهمٌّ جدا وضروريٌّ له على كافةالمستويات العقلية والنفسية والجسدية والاجتماعية والسلوكية .فاللعب هو حياةالأطفال ، وهو أحد الحاجات الأساسية للنمو الطبيعي لدى الطفل ، فهو نشاطٌ حيوييساعد على البحث والاكتشاف والتجريب والإبداع واكتساب الخبرات ، وليس مضيعة للوقتوشغبا كما يعتقد الآباء .
اللعبيفتح الباب أمام الطفل للتعلم منخلال أدوات اللعب المختلفة التي تؤدي إلى معرفته للأشكال المختلفة والألوانوالأحجام والتركيب والتحليل ، والتمثيل وتقمّص الأدوار ، والحصول على الخبراتوالمعلومات المفيدة والمتنوعة من اللعب ، كما تفجّر في الطفل طاقات الإبداعوالابتكار ، وتجريب الأفكار والاختراعات أحيانا ، والتي تنمّي الذكاء والقيمالمهارية والفكرية لديه .إذا كانت هذه هي فوائد اللعب وضرورته في مراحل الطفولة ،لماذا نحاربه لدى أبنائنا ونقمعه بشتى أساليب القهر من تنبيه وتوبيخ وعقوبات جسدية، تسبّب في أحايين كثيرة عاهات دائمة وتكون خطيرة تؤثر على الحياة المستقبلية للطفل .يقول الإمام الغزالي رحمه الله :(فإن منْعالصبيّ من اللعب ، وإرهاقــه إلى التعليم دائما ، يُميت قلبه ، ويبطل ذكاءه)
في المدرسة:
الطفل الذي ينشأ على تلقّي الأوامر والنواهيوالإذعان لتوجيهات الكبار ، وتلقّي المعرفة في المدرسة عن طريق التلقين والنسخ وحشوالعقل دون مشاركة في اكتساب المعرفة ، والاسترداد لها حرفيا في الاختباراتوالامتحانات ، تتربّى نفسيته وذهنه على موقف سلبي من نفسه ، ومن غيره ، ومن الحياةوالكون ، ويكون دوما في وضعية إذعان ، بحيث يلوذ بالموروث ينشد فيه حلّ المشكلات . التلقين يعطل تطور التفكير ، حيث يتناقض مع إكْساب مهارة البحث والتقصّي في الواقعوتنمية مهارة الابتكار ..التلقين يعطل موهبة التفكير النقدي ويُبْقِي المرء علىجهْل تام بالصيغ العلمية لدى تناول الأمور .وتتفاقم الحالة مع اعتماد التخويفوالترويع أداة تربية وتهذيب للناشئة .
عطَــبٌ آخر أشدّ فداحة يكتنفالعملية التربوية في مدارسنا ويتمثّل في حشْو المناهج الدراسية بالمعلومات التييتوجّب حفظها عن ظهر قلب واستظهارها حرفيا في الاختبارات والامتحانات ..المناهجوطرق التدريس في تجدد وتطور مستمرين وفق تطور الحياة المعاصرة ووفق ما وصل إليه علمالنفس ، وانعكس هذا التطور في بلادنا على المناهج وطرق التدريس التي جاءت بهاالمدرسة الأساسية في الثمانينات ، وما جاء بعدها من تجديد في المفاهيم البيداغوجيةوالأهداف والغايات كالأهداف الإجرائية والمقاربات ، والتدريس بالكفاءات وغيرها منالأفكار التربوية المعاصرة ، إلاّ أن القلة من الأساتذة والمعلمين تماشت مع هذاالتطور وعملت به عن قناعة وتبصّرٍ ووعي ، وظلت وتحت ضغط الامتحانات والكم مرغمة علىإنجاز البرنامج واعتماد التعليم وسيلة لذلك بدل التعلّم الذي يجعل المتعلم شريكافعّالا في كسْب المعارف ..والمتعلم في هذه الحالة يتحايل على ضُعْف قدرته على الحفظباللجوء إلى الغشّ ..ممّا يجعل هذا الغش حيلة متبعة لدى العديد من التلاميذ والطلاب، وقيمة تربوية يحبّذها الأولياء ويغضّ الطرف عنها البعض من المربّين ..وهو واقعٌموجود وخبرناه وعايشناه في أكثر من واقعة .ولا أعتقد كما يعتقد الكثيرون معي أن هذاالنوع من التربية والتعليم يساعد على الإبداعية لدى أبنائنا.
إن الدراساتالتربوية في العديد من البلدان أوضحت أن من أسباب معوّقات الإبداع في المجالالتربوي والتعليمي:
أولا : التدريس التقليدي :الذي من جملة جوانبه أن يجلسالتلاميذ مسمّرين في مقاعدهم في حجرة اكتظوا فيها ويصل عددهم إلى الخمسين وفي أحسنالحالات ، الأربعين كما هو الحال عندنا .وأن يمتصّ هؤلاء المعرفة الملقاة لهم كمايمتصّ الإسفنج الماء دون مشاركة عملية ، ممّا يعوق النشاط الإبداعي ونموّ القدراتالإبداعية .وساهم نمطُ القيادة التربوية لدي مديري المؤسسات التعليمية الاتباعيالمقلِّد والمعادي للتجديد ، بل المقاوم لكل إصلاح لأن أغلب المقبلين على الإدارةالتعليمية عندنا هدفهم الحافز المادي ، والتهرّب من التدريس ، وهالة المنصب ، وليسالهدف الحرص على تطوير الأداء التربوي والتعليمي.
يرى أغلب المدرسين وقديشاركهم في ذلك العديد من المديرين ـ واقع موجود عايشنه وخبرناه ـ أن تنمية قدراتالتلاميذ والطلاب الإبداعية عملٌ شاقٌّ ومضنٍ .فالتلميذ أو الطالب المبدع لا يرغبفي السير مع أقرانه في مناهج تفكيرهم ، وقد يكون مصدر إزعاج للمعلم والمدير معا ،وغالبا ما يرفض التسليم بالمعلومات السطحية التي تُعرضُ عليه . كما يسبب بعض هؤلاءالتلاميذ والطلاب حرجا لبعض المعلمين والأساتذة بأسئلتهم الغير المتوقّعة ، والحلولالبديلة والمخالفة والغريبة أحيانا التي يقترحونها لبعض المشكلات العلمية والمعرفيةالمطروحة .كما أن المدرسة التي يسيطر عليها جوّ الصرامة المبالغ فيه والتسلّط غالباما تكون أقلّ المدارس في استثمار الإبداع وقدرات التفكير الإبداعي لدى تلاميذها أوطلاّبها.
ثانيا : ضخامة المناهج : كثرة المواضيع والمحاور بالمناهج الرسميةالمقررة للمستويات التعليمية ، تعوق غالبا المدرسين عن تنمية القدرات الإبداعية لدىتلاميذهم وطلابهم ، خاصة عندما يشعرون بأنهم ملزمون بإنهاء المادة الدراسية منألفها إلى يائها . والسلطة التربوية تريد ذلك ، والأولياء لا تهمهم المعرفة كغايةفي حدّ ذاتها بقدر ما يهمهم أن ابنهم انتقل أو تحصّل على الشهادة ...وللعلم لا يوجدفي الأدب التربوي ما يؤكد أن إكمال تدريس مادة تعليمية ما ، تعني أن التلاميذ قداستوعبوها وامتلكوها وتمثلوها.
ثالثا : تصميم المناهج والكتب الدراسية : تشيرالدراسات التقويمية للمناهج في العالم العربي عموما إلى أن المناهج والكتب المدرسيةالمعتمدة لم تصمّم على أساس تنمية الإبداع .والأدب التربوي في مجال الإبداع يؤكدعلى الحاجة إلى مناهج تدريسية وبرامج تعليمية هادفة ومصمّمة لتنمية التفكيرالإبداعي لدى التلاميذ.
برامجنا غالبا ما تخلو من فرص التجريب العلميوالرياضي والأدبي والفني وحتى إن وجدت يتخلّى عنها المدرس ويتجاهلها ، وإن قام بهايتولاّها بنفسه كنشاطات مخبرية أو يعوّضها برسوم ومخطّطات علىالسبورة.
رابعا : النظرة إلى الإبداع : يعتقد بعض المدرسين خطأً أن القدراتالإبداعية لدى التلاميذ والطلاب موروثة ومحصورة في عائلات معيّنة دون غيرها ، وأنبيئة التعلّم أثرها قليل ومحدودٌ في تنمية القدرات الإبداعية .ويرى البعض الآخر أنالموهبة تكفي دون تدريب للإبداع .كذلك هناك عدد كبير من المدرسين ، وبخاصة ذويالاتجاهات السلبية نحْو الإبداع لا يعرفون أساليب الأداء الفعّال في التدريس ولاالطرق التربوية المساعدة على اكتشاف المواهب وتنميتها ، ويسكنهم الخمول إلى درجة أنمعارفهم وطرائقهم التي استهلّوا بها حياتهم المهنية تتآكل سنة بعد أخرى .ركنوا إلىمقولة : " (ليس في الإمكان أبدع ممّا كان)


خامسا : عوامل أخرى محبطة للإبداع : 1 ـ التدريس الموجه فقط للنجاح والتحصيل المعرفي المبني على الحفظ والاستظهار .2ـ الاختبارات المدرسية وأوجه الضعف فيها .3 ـ النظرة المعادية للتساؤل وروح البحثوالاكتشاف لدى التلميذ ، واللذان غالبا ما يُقابلان بالعقاب والقسوة من المدرسين .4ـ الفلسفة التربوية السائدة في المجتمع ونظرته ومدى تقديره للمبدعين .سادسا : اعتبارات أخرى : أغلب المدرسين يغفلون أو يتجاهلون أن أغلب التلاميذ والطلاب علىاختلاف أعمارهم وعروقهم مبدعون إلى حدّ ما ، بمعنى أن قدرات التفكير الإبداعيموجودة عندهم جميعا مهما اختلفت أعمارهم وعروقهم وأجناسهم .كما أنهم متفاوتون فيالقدرات الإبداعية (10)، بمعنى أن الفروق الموجودة بينهم هي فروق في الدرجة لا فيالنوع ، أو هي فروقٌ كمية لا كيفيةٌ .كما أن للبيئة أهمية كبيرة في تنمية الإبداعوالتفكير الإبداعي ، من خلال تأثيرها على الصحة العقلية والقدرات الإبداعية للمتعلم .فالمتعلمون يتعلمون بدرجة كبيرة وفاعلية في البيئات التي تهيئ شروط تنمية الإبداع، فقد تتوفر عند المتعلم القدرات الإبداعية التي تمكّنه من الإبداع ، إلاّ أنالبيئة ( البيت ، المدرسة ، مجموعة الرفاق ، المجتمع بتركيبته المتنوعة ومؤسساتهالمختلفة ) قد لا تتوفر فيها التربة الصالحة للإنتاج الإبداعي الخلاّق

Aucun commentaire: