mardi 29 avril 2008

المقاربة التشاركية

تعد المقاربة التشاركية أحد أهم عوامل التحولات الاجتماعية لأنها أساس التنمية البشرية التي تضع الناس في مركز الاهتمام بغض النظر عن تمايزاتهم الجنسية والعمرية والمعرفية والطبقية...
إن إدماج المقاربة التشاركية في السياسات التنموية يعتبر منهجية عمل مساعدة على التنمية العادلة وذلك من خلال إشراك الجميع في تسيير مؤسسات الدولة وفي جميع مراحل تدبير مشاريع وبرامج التنمية، من التشخيص والتحليل إلى التخطيط والتنفيذ إلى التتبع والتقويم.
هذه المقاربة هي وسيلة تسمح بالإنصات لأصوات الجماعات الضعيفة والمهمشة، مثل: النساء، والفقراء،و المعوقين، والأطفال، والقرويين، والشباب العاطل... وتمنحهم الفرصة للتعبير بحرية وبصراحة.
مفهوم المقاربة التشاركية:
المقاربة التشاركية تتضمن الطرق والأساليب التي تساعد الجماعات على التدبير الذاتي بحصولها على الثقة في النفس وعلى الفهم و الشعور بامتلاك مشاريع التنمية التي ستحدث تغييرات دائمة.
هذه الطرق والأساليب تستهدف احترام كرامة الناس وتحسين ظروف عيشهم. كما أن إشراكهم مقرون بالتزامهم وبموافقتهم على تحمل المسؤولية وعلى التحسينات المقترحة.
هذه الطرق والأساليب تهدف إلى:
1- تشجيع مشاركة الأفراد في أنشطة المجموعة دون الأخذ بعين الاعتبار السن والجنس والطبقة الاجتماعية أو المستوى التعليمي.
2- تنمية الثقة في النفس والشعور بالمسؤولية من أجل اتخاذ القرارات.
3- تيسير عملية التخطيط الجماعي والمساعدة على إغناء التعاون والتعاضد، والعمل على احترام معارف وقدرات الجميع.
4- إحداث شراكات بين الجماعات السلالية والجماعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات المتخصصة في التنمية.
في هذه الحالة تعتمد التنمية على القدرات والموارد المحلية من أجل إنجاح الحلول المقترحة محليا لمشاكل السكان عبر المساعدات الخارجية التي تقوم بإنجاز المخططات والبرامج الوطنية، وليس اعتمادا على أولويات المانحين.
تؤدي المقاربة التشاركية إلى حدوث نوع من الاستقلالية الفكرية للجماعات بدل التبعية والخنوع للآخر، سواء كان القطاع العام أم المنظمات الدولية المانحة. بحيث يصبح المواطن فاعلا ومتفاعلا ومسؤولا، يمكنه اتخاذ القرار بنفسه والتحكم في مصيره واختيار الحلول لمشاكله وبالتالي تنمية نفسه بنفسه. وهي مقاربة تنقل الناس من وضعية الانتظار التي ينتجها الفهم غير السليم والممارسة الخاطئة للمقاربة الحقوقية، إلى المبادرة والفعل، وتكون المساعدات الخارجية في هذه الحالة (المساعدات المالية والتقنية) للتغلب على المعيقات لا غير.
ويمكن اختصار مفهوم المقاربة التشاركية في عبارة "العمل مع" عوض "العمل من أجل"، بمعنى عمل في اتجاه أفقي عوض الاتجاه العمودي من أعلى إلى أسفل، كما تعمل أغلب الحكومات والمؤسسات العمومية في الأنظمة المركزية التي تفرض على شعوبها سياسات فوقية دون استشارتها ودون إشراكها في التنفيذ والتتبع والتقويم، وهذا ما يفسر فشل هذه السياسات بالرغم من صرف أموال طائلة على الدراسات القبلية التي ينجزها أحسن الخبراء. بعبارة أخرى المقاربة التشاركية جاءت لتصحيح المنهجية المعتمدة في العمل العمومي والمتمثلة في الاعتماد على الخبير وعلى القطاع العام في إنجاز مشاريع وبرامج التنمية دون إشراك المواطنين المستفيدين من هذه التنمية، كما جاءت لتصحيح أيضا المنهجية المعاكسة التي التجأ إليها المجتمع المدني والمتمثلة في استشارة وإشراك المستفيدين دون الرجوع إلى الخبير ودون الاعتماد على إمكانيات وقدرات القطاع العام، تطبيقا للمثل الشعبي "اسأل المجرب ولا تسأل الطبيب" وهو عكس ما تعمل به السياسات الحكومية أي "اسأل الطبيب ولا تسأل المجرب"، والمطلوب وفق المقاربة التشاركية: "اسأل الطبيب والمجرب معا".
ولقد أصبحت كل المنظمات التنموية الدولية تعتمد هذه المقاربة وتفرضها على البرامج والمشاريع التي تقوم بتمويلها، كما بدأ العمل بها من طرف بعض المؤسسات العمومية المغربية المانحة كوكالة التنمية الاجتماعية، إذ نجدها هي أيضا تشترط تطبيق هذه المقاربة في المشاريع التي تمولها، وهذا نموذج من النصوص الخاصة بتعريف المقاربة التشاركية المنشورة في بعض وثائقها: "مقاربة تهدف إلى تنمية يشارك فيها السكان المعنيون مشاركة فعالة. تهدف هذه المقاربة إلى تأهيل الأشخاص والجماعات وجعلهم قادرين على تبني حلول يتحملون مسؤولية اختيارها وإنجازها.. وهو أسلوب للتعلم من ومع أعضاء المجتمع لتشخيص، وتحليل، وتقييم المعوقات، والمؤهلات واتخاذ قرارات أو اختيار حلول معينة تجاه المشروعات التنموية".
تطبيق المقاربة التشاركية :
يتم تطبيق المقاربة التشاركية على مرحلتين متكاملتين فيما بينهما، هما:
1- مرحلة تحليل موقع التدخل عبر جمع المعطيات الضرورية لتحديد أولويات الجماعات ولإشراكها في جميع المراحل، ومن أجل تأسيس الشراكات التي ستساهم في نجاح المشاريع المبرمجة.
2- مرحلة ثانية متدرجة وتفاعلية تقوم على التدبير التشاركي لكل العناصر مع اعتماد نظام للتتبع والتقويم مكون من مؤشرات تساعد على إحداث التعديلات اللازمة في كل وقت.
أما تقنيات المقاربة التشاركية فهي أربع، يمكن اختصارها (حسب أحد الخبراء المغاربة) في عبارة "مع عَدٌُ قلم"، وهي:
1- "مع" أي المجموعة التي سأعمل معها أو المستفيدون، بحيث لا ينبغي إغفال أي أحد.
2- "عَدٌُ" أي العصف الذهني Brainstorming وهو يعني تحريك عقول الناس عبر وضع السؤال وإعطاء الفرصة للجميع للإجابة.
3- مقارنة نتائج الحوار، بين الإيجابي والسلبي، بين الأهم والأقل أهمية، بين المستعجل وغير المستعجل... أي القيام بمقارنات Bunchmarking يساهم فيها الجميع أيضا.
4- "قلم" أي الكتابة والتدوين بشكل جماعي لكل الأفكار والآراء.